فصل: شهر القعدة سنة 1223:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر القعدة سنة 1223:

واستهل شهر القعدة بيوم الاثنين، وفيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصاً من أقاربه.
وفي ثالث عشره، نزل والي الشرطة وأمامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشاً في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا الضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الأسعار وزيادة المكوس قيضطر الشخص إلى الاستدانة فلا يجد من يداينه من أهل البلد فيستدين من أحد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشاً في كل شهر وإذا قصرت يد المجيون عن الوفاء أضافوا الزيادة على الأصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤول الأمر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا أملاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئاً خرج هارباً وترك أهله وعياله خوفاً من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين إلى الباشا فأمر بكتابة هذا البيورلدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الأسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادي على الربا جهاراً في الأسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيباً في عقيدتهم.
وفي رباع عشرينه، غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفاً بالبحيرة ونفاه إلى أبي قير وأخذ أمواله وأنعم ببيته وهو بيت حسن آغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الأورفلي.

.شهر ذي الحجة سنة 1223:

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء وفيه وصلت الأخبار من إسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وأنه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في أمور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فأجمعوا أمرهم ومكر مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون أمرهم واحتقر جانبهم وقال أي شيء هؤلاء منا وأرى بمعنى أنهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب ثم أنهم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في أماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من أتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه وأوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لان سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التي بناحية البحر وأرسل يستعجل قاضي باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا إلى السراية واشتد الحرب بين الفريقين وأكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى أحرقوا منها جانباً كبيراً فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يوماً وليلة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وأبطلوا الحرب وشرعوا في إطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هارباً وكذلك قبودان باشا وهو عبد الله رامز أفندي الذي كان في أيام الوزير بمصر ثم أنهم أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتاً من تحت الردم وسحبوه من رجليه إلى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به وأكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي باشا وكان من أغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا إن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي أخاه ويرده إلى السلطنة فقتل السلطان محمود أخاه مصطفى خنقاً ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبد الله أفندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب إقامة العدل والوقت بخلاف ذلك.
وفيه، قوي إليهتمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمى عثمان السلانكلي الذي كان مباشراً على جسر الإسكندرية.
وفي منتصفه، سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وأمر بوصق الأحجار وأفردوا لذلك عدة من المراكب تشحن بالأشجار والأخشاي الكبيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وأمر بجمع الرجال من القرى للعمل.
وفيه، أيضاً شرع الباشا في إنشاء أبنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة وأشيع أن قصده إنشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع وأخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والأطيان والرزق والإقطاعات من ساحل شبرا إلى جهة بركة الحاج عرضاً.
وفي سابع عشره، خرجت عساكر كثيرة إلى البر الغربي بقصد الذهاب إلى الفيوم صحبة شاهين بك والألفية بسبب أولاد علي الذين كانوا بالبحيرة.
وفي ثاني عشرينه، وصل واحد قابجي وأشيع أنه طلع من بولاق وذهب إلى بيت الباشا وعلى يده مرسومان أحدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أو يقوم محمد علي باشا بلوازمه وما يحتاج إليه من أدوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام أثر ولما أصبح النهار وحضر ذلك القابجي في موكب إلى بيت الباشا وحضر الأشياخ والأعيان وكان الباشا غائباً في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك وأكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها العامة، توالي الفرض والمظالم المتوالية وإحداث أنواع المظالم على كل شيء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع أسعار المبيعات والمآكل والمشارب بسبب ذلك وفقر أهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن وأخذ مواشيهم وأغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها إلا في المذبح ويؤخذ منهم إسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا وأهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على أهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله وإذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه وأشهره وأخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالاً ولا يغفر ذنبه ويسمى خائناً وفلاتياً ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فإنه لم يمنع أحداً يأتي الحج على الطريقة المشروعة وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يعترض لهم أحد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك وأتوا إلى مصر والشام ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من إجراء الأرزاق واتصال الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التي بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها وأخذها فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الأشياء أرسلها ووضعها خساف العقول من الأغنياء والملوك والسلاطين الأعاجم وغيرهم إما حرصاً على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم أو لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج إليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنين والأعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لا حقيقة وارتسم في الأذهان حرمة تناولها وأنها صارت مالاً للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقها والنبي عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئاً من عرض الدنيا في حياته وقد أعطاه الله الشرف الأعلى وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون عبداً ولم يختر أن يكون نبياً ملكاً.
وثبت، في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً».
وروى، الترمذي بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً» أو قال ثلاثاً أو نحو ذلك فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك ثم إن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس»، ومنع بني هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فإن المال أوجده المولى سبحانه وتعالى من أمور الدنيا لا من أمور الآخرة قال تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} وهو من جملة السبعة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} فهذه السبعة بها تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها أموراً مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة إذا صرفت في محلها. وعن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: «يقول ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» إلى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة أوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية وإن قال المدخر أكنزها لنزائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الإفرنج وخلو خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الإفرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الأموال بغير حق حتى أفقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئاً بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلاً عن إعطائه لمستحقه من المحتاجين وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد إلا ما يختلسه العبيد خصيون الذين يقال لهم أغوات الحرم والفقراء من أولاد الرسول وأهل العلم والمحتاجون وأبناء السبيل يموتون جوعاً وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعون منها إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة وأخذ تلك الذخائر فيقال أنه عبى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ألماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام نحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها ألماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك.
ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التي تنقل الماء إلى القلعة وقد خربت وتلاشى أمرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد أفندي طبل ناظر المهمات فعمرها وأجرى الماء بها في أواخر الشهر الماضي.
ومنها أحداث عدة مكوس على أصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلاثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة أنصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم أربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها.

.من مات بها ممن له ذكر:

فمات الأجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو أخو الشيخ أحمد البكري الصديقي الذي كان متولياً على سجادتهم، ولما مات أخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة واتكابه أموراً غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد أفندي مضافة لنقابة الأشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالأزبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفه وأنشأ فيه بستاناً زرع فيه أصناف الأشجار والفواكه، فلما توفي السيد محمد أفندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطي، فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هارباً من الفرنساوية إلى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وأنهم غصبوها منه فقلدوه إياها واستولى على وقفها وإبرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوي والشكاوي واجتمع عنده مماليك من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى التي انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والأمراء المصرية وأهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الأزبكية إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون وأطلقوه بعد أن أشرف على الهلاك وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره وأسكن روعه وألبسه ثياباً وأكرمه وبقي بداره إلى أن انقضت أيام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق، ثم انتقل منه إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في أيام الفرنسيس، فلما أشيع حضور الوزير والقبودان والإنكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة، فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الأشراف وتولاها السيد عمر مكرم، كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو أنهى إليه لكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب إلى الفرنسيس بعلمه وأنه قتلها خوفاً وتبرئة لنفسه من الشهرة التي لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره فيها ولا التنصل منها وإنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصاً من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد وهو من جملة أتباع المترجم ولكنه فقير لا يملك شيئاً ولا دابة يركبها فقال الباشا أنا أواسيه وأعطيه فأحضروه له بعد أن ألبسوه تاجاً كبيراً وثياباً وهو رجل مبارك طاعن في السن فألبسه فروة سمور وقدم له حصاناً معدداً وقيد له ألف قرش وسكن داراً بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل أمر المترجم واشترى داراً بدرب الجماميز بعطفة الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها أشداراً وحسنها وأتقنها وبنى له مجلساً مطلاً عليها وبالأسفل مياطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الأمراء المتقدمينن بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بأنقاضهما وأخشابهما وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على إيراده فيما يخصه من وقف جده لأنه الأستاذ الحنفي وتصدى لمفاقمته وأذيته أنفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى أنه كان عقد لابنه سيدي أحمد على بنت المرحوم محمد أفندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وأبطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي ةتسلط عليه من له دين أو دعوى أو مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد أشترى مملوكاً في أيام الفرنساوية جميل الصورة، فلما حصل له ما حصل ادعى عليه البائع أنه أخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن، فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الأمر والمصالحة على أن عثمان بك المرادي أخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة، ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلي عليه بمسجد جده لأمه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند أسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه. ولم يدفع له الثمن، فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الأمر والمصالحة على أن عثمان بك المرادي أخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة، ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلي عليه بمسجد جده لأمه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند أسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه.
ومات الأمير شاهين بك المرادي، ويعرب بباب اللوق لأنه كان ساكناً هناك وهو من مماليك مراد بك وأصله جركسي الجنس ولما أعتقه مراد بك أنعم عليه بكشوفية إقليم الغربية، ثم رجع إلى مصر وأقام بطالاً متطلعاً للإمارة ويرى أنه أحق بها من غيره، ولما رجع المصريون إلى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائباً ببلاد الإنكليز انضم إليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو أحد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الأفلي، ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الأول من السنة المذكورة والله أعلم.
سنة أربع وعشرين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة أعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وأمطرت في محلات قليلاً وفي أخرى كثيراً، ثم انجلت السماء سريعاً فظهرت النجوم وبعد أيام أخبر الواردون من ناحية السماحات بالغربية أنها أمطرت بتلك الناحية في تلك الليلة برداً كبيراً وصغيراً والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية وأهلكت زروعاً كثيرة.
وفي يوم الأحد رابعه، قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعة الفرعونية وأرسل رأسه إلى مصر فعلقت بباب زويلة.
وفي أواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد وأشغلوا المراكب في نقل الأحجار ليلاً ونهاراً والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعاً وصخوراً فكانوا يشقون الجبل بألغام البارود مثل عمل الإفرنج وظهر في قطعهم كهوف وممغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بأنواع الأكاذيب والخرافات كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه أقفال ففتحوه ونظروا من داخله أشخاصاً على خيول إلى غير ذلك.
وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالإسكندرية فقال له حاكم الإسكندرية ينبغي أن تذهب إلى الباشا بالترعة وتقابله فذهب إليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة وأصبح ميتاً فأخرجوه إلى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان أحدهما الأخبار عن صلح الدولة مع الإنكليز والموسكوب وانفتاح البحر وأمن المسافرين والثاني الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وأن يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضاً بالسفر من ناحيته على الدرعية وأحضر للباشا تقريراً بالولاية مجدداً وخلعة وسيفاً.

.سنة أربع وعشرين ومائتين وألف:

.شهر صفر سنة 1224:

واستهل بيوم السبت فيه حضر الآغا الواصل إلى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وأرباب العكاكيز فأركبوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع إلى القلعة وقرؤوا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكاً.
وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وأمطرت كثيراً ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكاً صغيراً من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الأرضص وأحضروا منه إلى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة.
وفيه اهتم الباشا بإخراج تجريده إلى الأمراء القبليين وذلك أنه تقدم بالإرسال إليهم يطالبهم بالغلال والأموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل إليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه أجوبة وهدية وفيها خيول وجوار وعبيد وسكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال أنا لست أطلب إحسانهم وصدقاتهم حتى أنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور وحيث أنهم لا يرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم وأرسل إلى من بمصر من الأكبر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح آغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيانهم، ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أياماً معدودة، فلما حضر من الترعة أخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر إلى البر الغربي وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحري لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالاً وجمالاً وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لا يقدرون على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك وإعطائهم الرشوات وحضر أيضاً نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك وقابل الباشا على الترعة، فلم ينفع حضوره أيضاً ولم يسمع له قول ورجع مزيفاً.
وفي خامسه حضر علي بك أيوب وصحبته آخر يقال له رضوان بك البرديسي فطلعا إلى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك أيوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الإمهال إلى حصاد الغلال فقال أنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو أربعة أيام، ثم أشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد وأكل المزروعات وخراب البلدان فإنهم أكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفاً وخمسمائة فدان، ولما أشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وأيسوا من زروعاتهم وخرجوا من أوطانهم على وجوههم لا يدرون أين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية.
وفي صبحها أعيد أمر التجريدة وأشيع خروج العساكر ثانياً فانقبضت النفوس ثانياً وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس وانبثت المعينون للطلب.
وفي عاشره بطل أمر التجريدة وانقضى أمر الصلح على شروط وهي أنهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف أردب وسبعة آلاف أردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعداً للباشا شاهين بك الألفي والموعد أحد وثلاثون يوماً وسافر علي بك أيوب ورضوان بك البرديسي وأكرمهما الباشا وخلع عليهما.
وفي حادي عاشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلماً وسبب ذلك أنه لما نزل قبودان لجمع المراكب المطلوبة لسفر التجريدة فصادف شخصاً من الأرنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه ليأخذ منه السفينة فقال كيف تأخذها وفيها غلتي قال أخرج غلتك منها على البر واتركها فإنه مطلوبة لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها، ولم يجد سفينة أخرى لأن جميع السفن مطلوبة مثلها وقال له عندما أصل بها إلى مصر وأنقل منها الغلة أرسل معي من يأخذها فقال القبودان لا سبيل إلى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الأرنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الأرنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فأراد أتباع القبودان القبض عليه ففر منهم إلى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فالتجأ إليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى آغا المذكور ملتزم البلدة هناك وغائباً في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر إليهم وخاف من وقوع قتل أو شر يقع بالبلدة فيكون سبباً لخراب الناحية فقال يا جماعة اذهبوا بنا إلى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا إلى ساحل بولاق فعندما وصلوا إلى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الأمير مصطفى المذكور فقال له عمر بك اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي وأنت لا بأس عليك ففعل فقال له الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجئ إليهم وكأنهم هم الذين أفلتوه فأمر بحبسه فأرسل إلى عمر بك فحضر إلى الباشا وترجى في إطلاقه فوعده أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل فقال أنه عند أزمير آغا وهو لا يسلم فيه وركب إلى داره، فلما كان في الصباح أمر بقتل الأمير مصطفى المذكور فأنزلوه إلى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلماً.
وفي صبحها أيضاً قتلوا شخصاً من الدلاة بسبب هذه الحادثة.
وفي ثاني يوم قتل الأرنؤد شخصين من الدلاة أيضاً.
وفي يوم الخميس ثالث عشره أرسل الباشا وطلب الأرنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال إن لم يرسله وإلا أحرقت عليه داره فامتنع من إرساله وجمع إليه طائفة من الأرنؤد وصالح آغا قوج جاره وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعاً إلى داره بالأزبكية وقت الغروب وكثرت الأرجاف والقلقة بين الأرنؤد والدلاتية.
وفي خامس عشره قتل الأرنؤد شخصين من الدلاتية أيضاً جهة قناطر السباع، ثم أن القاتل الذي قتل القبودان التجأ إلى كبير من كبار الأرنؤد فأرسل الباشا إلى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير وأكد في طلبه أو أنه بقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وأرسل إليه برأس ملفوفة في ملاية تسكيناً لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه.
وفي أواخره أمر الباشا بتحرير دفاتر فرضة الأطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها أربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة أعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الأفندية والأقباط بجهات متباعدة الأفندية بربع أيوب ببولاق والأقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عد أيام ووقع الطلب في جانب معجلاً سموه الترويجة.
وفيه أمر الباشا عمر بك الأرنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه وراتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحري شبرا واختصها لنفسه، فلما استولى على حصص عمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحيرة عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم.